فصل: 223- قصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



.222- قسامة:

1- التعريف:
القَسامةُ في اللغة: اسم من الإِقْسام، وُضِع مَوْضِع المصدر، وهي الجماعة يُقْسِمُون على الشيء أَو يُشهدون، ويَمِينُ القَسامةِ منسوبة إِليهم.
وفي الاصطلاح هي: أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم.
2- مشروعية القسامة:
شرعت القسامة لصيانة الدماء وعدم إهدارها، حتى لا يهدر دم في الإسلام أو يطل، وكي لا يفلت مجرم من العقاب، قال علي لعمر رضي الله عنهما فيمن مات من زحام يوم الجمعة، أو في الطواف: يا أمير المؤمنين لا يطل دم امرئ مسلم، إن علمت قاتله، وإلا فأعطه ديته من بيت المال.
فالشريعة الإسلامية تحرص أشد الحرص على حفظ الدماء وصيانتها وعدم إهدارها، ولما كان القتل يكثر بينما تقل الشهادة عليه؛ لأن القاتل يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، جعلت القسامة حفظا للدماء.
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن القسامة مشروعة وأنه يثبت بها القصاص أو الدية إذا لم تقترن الدعوى ببينة أو إقرار، ووجد اللوث.
ودليل مشروعيتها: ما رواه الشيخان عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه، أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قُتِل وطرح في عين أو فقير، فأتى يهود فقال: أنتم والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، ثم أقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمحيصة: «كَبِّر كبر» يريد السن فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب»، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك، فكتبوا إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟» قالوا: لا، قال: «فتحلف لكم يهود؟» قالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار، فقال سهل: فلقد ركضتني منها ناقة حمراء. وروى مسلم عن أبي سلمة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، وزاد في رواية: وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ناس من الأنصار في قتيل ادعوه على اليهود.
3- شروط القسامة:
يشترط لصحة القسامة عشرة شروط هي:
الأول: أن يكون القاتل مكلفاً؛ أي المدعى عليه بالقتل؛ لتصح الدعوى؛ لأنها لا تصح على صغير ولا مجنون.
الثاني: إمكان القتل منه؛ أي: من المدعى عليه، فإن لم يمكنه أن يقتل كمريض وزمن لم تصح عليه دعوى، كبقية الدعاوى، وإن أقام المدعى عليه بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكن مجيئه منه إليه في يوم واحد؛ بطلت الدعوى.
الثالث: طلب جميع الورثة، فلا يكفي طلب بعضهم؛ لعدم انفراده بالحق.
الرابع: اتفاقهم، أي جميع الورثة على الدعوى للقتل فلا يكفي عدم تكذيب بعضهم بعضا، إذ الساكت لا ينسب إليه حكم.
الخامس: اتفاقهم على القتل فإن أنكر القتل بعض الورثة فلا قسامة.
السادس: اتفاقهم على عين القاتل نصا، فلو قال بعض الورثة: قتله زيد، وقال بعضهم: قتله عمرو؛ فلا قسامة، وكذا لو قال بعضهم: قتله زيد وقال بعضهم: لم يقتله زيد، عدلا كان المكذب أو فاسقا؛ لإقراره على نفسه بتبرئة زيد، وكذا لو قال أحد ابني القتيل: قتله زيد، وقال الآخر: لا أعلم قاتله؛ فلا قسامة كما لو كذبه؛ لأن الأيمان أقيمت مقام البينة، ولا يجوز أن يقوم أحدهما مقام الآخر في الأيمان كسائر الدعاوى.
السابع: وصف القتل؛ أي أن يصفه المدعي في الدعوى كأن يقول جرحه بسيف أو سكين ونحوه في محل كذا من بدنه أو خنقه أو ضربه بنحو لت في رأسه ونحوه فلا يعتد بحلف من المدعى عليه قَبْلَه، أي: قَبْل وصف مدعي القتل؛ لعدم صحة الدعوى.
الثامن: اللوث وهو: العداوة الظاهرة، سواء وُجِد معه أثر قتل كدم في أذنه أو أنفه، أو لم يوجد، لحصول القتل بما لا أثر له كضم الوجه والخنق وعصر الخصيتين؛ ولأنه عليه الصلاة والسلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أو لا؟.
التاسع: أن يكون في الورثة ذكورا مكلفين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون رجلا منكم وتستحقون دم صاحبكم»؛ ولأن القسامة يثبت بها قتل العمد فلم تسمع من النساء كالشهادة؛ ولأن الجناية المدعاة التي تجب القسامة عليها هي القتل، ولا مدخل للنساء في إثباته.
العاشر: كون الدعوى على واحد لا أكثر، معين لا مبهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام للأنصاري: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع إليكم برمته»; ولأنها بينة ضعيفة خولف في قتل الواحد فيقتصر عليه، ويبقى على الأصل فيما عداه.
وبيان مخالفة الأصل بها أنها ثبتت باللوث شبهة مغلبة على الظن صدق المدعي. إذا تقرر هذا، فلو قالوا ورثة القتيل: قتله هذا مع آخر، فلا قسامة؛ لأنها لا تكون إلا على واحد؛ أو قالوا: قتله أحدهما، فلا قسامة؛ لأنها لا تكون إلا على معين. ولا يشترط كون القسامة بقتل عمد؛ لأن القسامة حجة شرعية، فوجب أن يثبت بها الخطأ كالعمد.
4- من الذي يحلف في القسامة؟
قال المرداوي: (ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين فيحلفون خمسين يمينا ويختص ذلك بالوارث يعني العصبة على ما تقدم، وهذا المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقي، واختاره ابن حامد وغيره قال المصنف والشارح: هذا ظاهر المذهب؛ وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والكافي والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم. وعنه: يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث. نصرها جماعة من الأصحاب منهم الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي وابن البناء. قال الزركشي والقاضي: فيما أظن. فيقسم من عرف وجه نسبته من المقتول لا أنه من القبيلة فقط. ذكره جماعة وسأله الميمون يرحمه الله، إن لم يكن أولياء؟ قال: فقبيلته التي هو فيها أو أقربهم منه. وظاهر كلام أبي بكر في التنبيه أنهم العصبة الوارثون).
5- قرار هيئة كبار العلماء رقم 41 وتاريخ 13/4/1396هـ المتعلق بالقسامة:
(الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله وصحبه وبعد: ففي الدورة الثامنة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الرياض في النصف الأول من شهر ربيع الآخر عام 1396هـ اطلع المجلس على ما سبق أن أجله من الدورة السابعة إلى الدورة الثامنة من بحث القسامة هل الورثة هم الذين يحلفون أيمان القسامة أو أن العصبة بالنفس هم الذين يحلفون ولو كانوا غير وارثين إذا كانوا ذكورا بالغين عقلاء؟. وبعد استماع المجلس ما سبق أن أعد في ذلك من أقوال أهل العلم وأدلتهم ومناقشتها وتداول الرأي قرر المجلس بالأكثرية أن الذين يحلفون من الورثة هم الذكور البالغون العقلاء ولو واحدا، سواء كانوا عصبة أو لا، لما ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن أبي حثمة في قصة قتل اليهود لعبد الله بن سهل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحويَّصة ومحيَّصة وعبد الرحمن بن سهل: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟، قالوا: لا، وفي رواية يقسم منكم خمسون رجلا؛ ولأنها يمين في دعوى حق فلا تشرع في حق غير المتداعين كسائر الأيمان؛ وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم).

.223- قصاص:

1- التعريف:
القصاص في اللغة: من القَصِّ وهو: أَخذ الشعر بالمِقَصّ، وأَصل القَصِّ القَطْعُ. يقال: قصَصْت ما بينهما أَي قطعت. والقِصاص في الجِراح مأْخوذ من هذا إِذا اقْتُصَّ له منه بِجرحِه مثلَ جَرْحِه إِيّاه أَو قتْله به. قال الفيومي: ثم غلب استعمال القصاص في قتل القاتل، وجرح الجارح وقطع القاطع.
وفي الاصطلاح: القصاص أن يُفعل بالفاعل الجاني مثل ما فعل بالمجني عليه، وفقا لما حددته الشريعة الإسلامية.
2- حكم القصاص:
اتفق الفقهاء على أن حكم القصاص واجب على ولي الأمر إذا رفع إليه من مستحقه، ومباح طلبه من قبل مستحقه إذا استوفى شروطه، فله أن يطالب به، وله أن يصالح عليه، وله أن يعفو عنه، والعفو أفضل، ثم الصلح، وسواء في ذلك كله أن تكون الجناية على النفس أو على ما دونها، وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة 178]، وقوله سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [الإسراء 33]، وقوله جل من قائل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة 45]. وروى أبو داود والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يودى، وإما أن يقاد». وروى البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كتاب الله القصاص»، قال: فعفا القوم؛ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره». ولأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص، فكان كالنفس في وجوب القصاص.
3- أنواع القصاص:
القصاص نوعان: قصاص في النفس، وقصاص فيما دون النفس، وبيانهما:
* أولا: القصاص في النفس:
ويشترط لوجوبه الشروط التالية:
1- أن يكون القتل عمدا وعدوانا، وهذا باتفاق الفقهاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قتل عمدا فهو قود» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
2- أن يكون القاتل مكلفا، أي يكون بالغا، عاقلا، غير مكره؛ لحديث: «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقض» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. وقوله صلى الله عليه وسلم: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
3- أن يكون المقتول معصوم الدم؛ فلا يكون حربيا، أو مرتدا لم يتب، ولا زانيا محصنا ثبت زناه عند القاضي.
4- التكافؤ، بحيث لا يكون القاتل أفضل من المقتول بالإسلام أو الحرية، لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة 178]، وقوله صلى الله عليه وسلم، «لا يقتل مسلم بكافر».
5- أن لا يكون القاتل والدا للمقتول، لحديث «لا يقتل والد بولده».
* ويشترط لاستيفاء القصاص في النفس ثلاثة شروط:
1- أن يكون المستحق للدم بالغا، عاقلا، فإن كان مستحقه صبيا، أو مجنونا، لم ينب عنهما أحد في استيفائه، لا أب، ولا وصي، ولا حاكم، بل يحبس الجاني حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون، لأن معاوية رضي الله عنه، حبس هُدْبة بن خَشْرم، في قصاص حتى بلغ ابن القتيل، وذلك في عصر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع.
2- أن يتفق أولياء الدم جميعا على المطالبة باستيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به، فإن كان بعضهم غائبا، أو صغيرا، أو مجنونا، وجب انتظار الغائب حتى يرجع، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، لأن من كان له الخيار في أمر لم يجز الافتيات عليه.
3- أن يؤمن في استيفاء القصاص تعديه إلى غير الجاني، لقوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [الإسراء الآية 33] فلو لزم القصاص حاملا فلا يجوز استيفاؤه حتى تضع حملها، بلا خلاف، لأن قتل الحامل إسراف في القتل لتعديه إلى الجنين، لما رواه ابن ماجة عن معاذ ابن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المرأة إذا قَتَلَت عمدا، لا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها».